فصل: سنة ست عشرة وثلاثمئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة:

فيها في المحرم، عارض أبو طاهر الجنابي ركب العراق. ومعه ألف فارس. وألف راجل. فوضعوا السيف وأستباحوا الحجيج. وساقوا الجمال بالأموال والحريم، وهلك الناس جوعاً وعطشاً. ونجا من نجا بأسوأ حال. ووقع النوح والبكاء، ببغداد وغيرها. وامتنع الناس من الصلوات في المساجد. ورجموا ابن الفرات الوزير، وصاحوا عليه أنت القرمطي الكبير. فأشار على المقتدر. بأن بكاتب مؤنساً الخادم. وهو على الرقة، وكان ابن الفرات قد سعى في إبعاده إليها خوفاً منه، فقدم مؤنس، فركب إلى داره ابن الفرات للسلام عليه. ولم يتم مثل هذا من وزير، فأسرع مؤنس إلى باب داره، وقبل يده وخضع، وكان في حبس المحسن ولد الوزير. جماعة في المصادرة. فخاف العزل. وأن يظهر عليه ما أخذ منه. فسم إبراهيم أخا الوزير علي بن عيسى. وذبح مؤنس خادم حامد بن العباس، وعبد الوهاب ابن ما شاء الله. فكثر ضجيج المقتولين على بابه. ثم قبض المقتدر على ابن الفرات وسلمه إلى مؤنس فعاتبه مؤنس، وتذلل له. فقال مؤنس: الساعة تخاطبني بالأستاذ. وأمس تبعدني إلى الرقة واختفى المحسن، ثم ظفر به في زي امرأة، وقد خضب يديه، فعذب، وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار، وولي الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني فعذب بني الفرات، واستصفى أموالهم، فيقال أخذ منهم ألفي ألف دينار، ثم ألح مؤنس، ونصر الحاجب، وهارون بن خالد المقتدر: حتى أذن في قتل ابن الفرات وولده المحسن فذبحا. وعاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة، وعاش بعد حامد بن العباس نصف سنة، وكان جباراً فاتكاً كريماً سائساً متمولاً، كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار. وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات، وقيل كان دخله من أملاكه في العام، ألف ألف دينار.
وكان القرمطي، قد أسر طائفة من الحجاح، منهم الأمير أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، فأطلقه وأرسل معه يطلب من المقتدر، البصرة والأهواز، فحدث أبو الهيجاء أن القرمطي، قتل من الحجاح ألفي رجل ومئتين، ومن النساء ثلاثمئة، وفي الأسر مثلهم بهجر.
وفيها افتتح المسلمون فرغانة، إحدى مدائن الترك.
وفيها توفي علي بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، أبو الحسن الوزير، وابنه المحسن، ذبحا صبراً، ويقال عنه: أنه كاتب الأعراب أن يكبسوا بغداد، ولما ولي الوزارة في سنة أربع وثلاثمئة، خلع عليه سبع خلع، وكان يوماً مشهوداً، بحيث أنه سقى في داره في ذلك اليوم والليلة، أربعين ألف رطل ثلج، وكان هو وأخوه أبو العباس، آية في معرفة حساب الديوان.
وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القاسم المصري المحدث وله بضع وثمانون سنة روى عن محمد بن رمح وحرملة.
وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلال النيسابوري أنفق أموالا جليلة في طلب العلم وأنزل البخاري عنده لما قدم نيسابور وروى عن محمد بن رافع وأبي سعيد الأشج وخلق، وكان يفهم ويذاكر.
وفيها محمد بن محمد سليمان الحافظ الكبير. أبو بكر الباغندي، أحد أئمة الحديث، في ذي الحجة ببغداد. وله بضع وتسعون سنة.
روى عن علي بن المديني، وشيبان بن فروخ. وطوف بمصر والشام والعراق، وروى أكثر حديثه من حفظه.
قال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعته يقول أجبت في ثلاثمئة ألف مسألة، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإسماعيلي: لا أتهمه، ولكنه خبيث التدليس، ومصحف أيضاً.
وقال الخطيب: رأيت كافة شيوخنا يحتجون به.
وفيها أبو بكر بن المجدر، وهو محمد بن هارون البغدادي. روى عن داود بن رشيد وطبقته، وكان معروفا بالانحراف عن علي.

.سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة:

فيها سار الركب العراقي، ومعهم ألف فارس، فاعترضهم القرمطي بزبالة، وناوشهم القتال، فرد الناس ولم يحجوا، ونزل القرمطي على الكوفة، فقاتلوه فغلب على البلد. ونهبه، فندب المقتدر مؤنسا، وأنفق في الجيش ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق ببغداد، وكان ثقة رحالا، روى عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأبي نعيم الحلبي وعدة.
وفيها أبو العباس أحمد بن الحسين الماسرجسي سمع من جده لأمه، الحسن بن عيسى بن ماسرجس، وإسحاق بن راهويه، وشيبان بن فروخ.
وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني، روى عن هشام بن عمار وطبقته.
وفيها أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلامة.
قال ابن الفرضي: كان مفتيا بصبرا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر، وعاش خمسا وتسعين سنة، روى عن محمد بن وضاح وطائفة.
وعبد الله بن زيدان بن يزيد، أبو محمد البجلي الكوفي،عن إحدى وتسعين سنة، روى عن أبي كريب وطبقته. قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ: لم تر عيني مثله. كان ثقة حجة، أكثر كلامه في مجلسه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على طاعتك، أخبرت أنه مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربة، كان صاحب ليل.
وعلي بن عبد الحميد الغضائري أبو الحسن، بحلب في شو ال. روى عن بشر بن الو ليد. والقواريري وعدة. وقال: حججت ماشيا من حلب أربعين حجة.
وعلي بن محمد بن بشار، أبو الحسن البغدادي الزاهد شيخ الحنابلة، أخذ عن صالح بن أحمد، والمروذي، وجاء عنه أنه قال: أعرف رجلاً منذ ثلاثين سنة، يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي، فلا يجد شيء يشتهي.
ومحمد بن أحمد بن أبي عون عبد الجبار، أبو جعفر النسائي الرياني، روى عن علي بن حجر، وأحمد بن إبراهيم الدورقي وطبقتهما، وثقة الخطيب.
ومحمد بن إبراهيم الرازي الطيالسي، روى عن إبراهيم بن موسى الفراء، وابن معين وخلق. قال الدارقطني: متروك.
وأبو لبيد محمد بن إدريس الشامي السرخسي، روى عن سويد، وأبي مصعب وطبقتهما.
وفيها محمد بن إسحاق، الثقفي مولاهم النيسابوري أبو العباس السراج الحافظ، صاحب التصانيف. روى عن قتيبة، وإسحاق وخلق كثير.
قال أبو إسحاق المزكي سمعته يقول: ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثنتي عشرة ألف ختمة، وضحيت عن اثنتي عشرة ألف أضحية. محمد بن أحمد الدقاق: رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية، ثم يجمع أصحاب الحديث عليها. وقد ألف السراج مستخرجاً على صحيح مسلم، وكان أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر، عاش سبعاً وتسعين سنة.
وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن علي بن خلف القهستاني الحافظ. صاحب المسند على الرجال، وعلى الأبواب. أكثر التطواف، وروى عن أحمد بن منيع وطبقته.

.سنة أربع عشرة وثلاثمئة:

فيها أخدت الروم لعنهم الله ملطية عنوة واستباحوها، ولم يحج. أحد من العراق. خوفا من القرامطة، ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم.
وفيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي نزيل خراسان، روى عن عبد الجبار بن العلاء وخلق.
قال الحاكم: له أفراد وعجايب.
وفيها محمد بن محمد بن النفاح بن بدر الباهلي أبو الحسن، بغدادي حافظ خير متعفف. توفي بمصر في ربيع الآخر، روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته.
وفيها محمد بن عمر بن لبابة، أبو عبد الله القرطبي مفتي الأندلس، كان رأسا في الفقه، محدثاً أديباً أخباريا شاعراً مؤرخاً، توفي في شعبان، وولد سنة خمس وعشرين ومئتين. روى عن أصبغ بن الخليل والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحيى بن يحيى وأصبغ وتفقه به خلق.
وفيها نصر بن القاسم أبو الليث البغدادي الفرائضي روى عن شريح بن يونس وأقرانه وكان ثقة من فقهاء أهل الري.

.سنة خمس عشرة وثلاثمئة:

فيها أخذت الروم سميساط واستباحوها. وضربوا الناقوس في الجامع، فسار مؤنس بالجيوش ودخل الروم، وتم مصاف كبير هزمت فيه الروم. وقتل منهم خلق.
وأما القرامطة فنازلت الكوفة. فسار يوسف بن أبي الساج. فالتقاهم. فأسر يوسف، وانهزم عسكره، وقتل منهم عدة. وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار. فقطع المسلمون الجسر. فأخذ يتحيل في العبور. ثم عبر وأوقع بذلك بالمسلمين. فخرج نصر الحاجب ومؤنس. فعسكروا بباب الأنبار. وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته. ثم ردت القرامطة في خبر العسكر عليهم وهذا أحد لان العرفان القرامطة وكانوا ألفاً وسبعمئة. من فارس وراجل. والعسكر أربعين ألف فارس، ثم إن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة معه. وسار إلى هيت، فبادر العسكر وحصنوها فرد القرمطي إلى البرية، فدخل الوزير علي بن عيسى على المقتدر بالله وقال: قد تمكنت هيبة هذا الكافر من القلوب. فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش، والا فما لك إلا أقاصي خراسان. فأخبر أمه. فأخرجت خمسمئة ألف دينار، وأخرج المقتدر ثلثمئة ألف دينار. ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر، وجددت على بغداد الخنادق، وعدمت هيبة المقتدر من القلوب. وشتمته الجند.
وفيها توفي أحمد بن علي بن الحسين، أبو بكر الرازي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف، وله أربع وخمسون سنة. رحل وادرك إبراهيم بن عبد الله القصار وطبقته، بخراسان والري وبغداد والكوفة والحجاز.
وفيها أبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الفقيه. قاضي دمشق نيابة. ثم قاضي الرملة. روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، وكان له حلقة بمصر للفتوى والاشتغال. قال ابن يونس: خلط ووضع أحاديث.
وفيها الأخفش أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي، وهو الأخفش الصغير النحوي روى عن ثعلب والمبرد.
وفيها محمد بن الحسين، أبو جعفر الخثعمي الكوفي الأشناني أحد الأثبات. روى ببغداد، عن أبي كريب وطبقته.
وفيها محمد بن الفيض، أبو الحسن الغساني، محدث دمشق، روى عن صفوان بن صالح والكبار، توفي في رمضان عن ست وتسعين سنة.
وفيها محمد بن المسيب الأرغياني، الحافظ الجوال الزاهد المفضال، شيخ نيسابور. روى عن محمد بن رافع، وبندار، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهم. وكان يقول: ما أعلم منبراً من منابر الإسلام. بقي علي لم أدخله لسماع الحديث. وقال: كنتُ أمشي في مصر، وفي كمي مائة جزء، في الجزء ألف حديث.
قال الحاكم: كان دقيق الخط. وصار هذا كالمشهور من شأنه، عاش اثنتين وتسعين سنة.

.سنة ست عشرة وثلاثمئة:

فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها، ثم نازل الرقة وقتل جماعة بربضها، وتحول إلى هيت، فرموه بالحجارة وقتلوا صاحبه أبا الذواد فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبنى دارا سماها دار الهجرة، ودعا إلى المهدي، وتسارع إليه كل مريب. ولم يحج أحد، ووقع بين المقتدر وبين مؤنس الخادم. واستعفى ابن عيسى من الوزارة. وَوَليَ بعده أبو علي بن مقلة الكاتب.
وفيها توفي بنان الحَمال، أبو الحسن الزاهد الواسطي، نزيل مصر وشيخها، كان ذا منزلة عظيمة في النفوس، وكانوا يضربون بعبادته المَثل وصحب الجنيد. وحدث عن الحسن بن محمد الزغفراني وجماعة. وثقه أبو سعيد بن يونس وقال توفي في رمضان، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر. وكان شيئاً عجيباً.
وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، الخافظ ابن الحافظ، ولد بسجستان سنة ثلاثين ومئتين، ونشأ بنيسابور وغيرها، وسمع من محمد بن أسلم الطوسي، وعيسى بن زغبة. وخلائق بخراسان والشام والحجاز ومصر والعرق وأصبهان، وجمع وصنف وكان عنده عن أبي سعيد الأشج، ثلاثون ألف حديث، وحدث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألفا. وقال ابن شاهين: كان ابن أبي داود، يملي علينا من حفظه، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي، ويقعد تحته بدرجة، ابنه أبو معمر، وبيده كتاب، يقول له: حديث كذا، فيسرد من حفظه حتى يأتي على المجلس. وقال غيره: توفي في ذي الحجة. وقال محمد بن عبيد الله بن الشخير: كان زاهداً ناسكأَ. صلى عليه نحو ثلاثمئة ألف إنسان أو أكثر.
وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود: صلي على أبي ثمانين مرة.
وفيها محمد بن خريم، أبو بكر العقيلي، محدث دمشق، في جمادى الآخرة، روى عن هشام بن عمار وجماعة.
والعلامة أبو بكر بن السراج واسمه محمد بن السري البغدادي النحوي، صاحب الأصول في العربية وله مصنفات كثيرة، منها شرح سيبويه. أخذ عن المبرد وغيره، وكان مغرى في الطرب والموسيقى.
وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي الحافظ، شيخ بلخ ومحدثها، صنف المسند والتاريخ وغير ذلك، سمع علي بن خشرم، وعباد ابن الوليد الغبري وطبقتهما.
وفيها أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الاسفراييني الحافظ، صاحب الصحيح المسند. رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان، وروى عن يونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حرب وطبقتهما وعلى قبره مشهد بإسفرايين. وكان مع حفظه فقيها شافعياً إماماً.

.سنة سبع عشرة وثلاثمئة:

في أولها، عسكر مُؤنس الخادم بباب الشَماسية، ومعه سائر الجيش، فكتب له المقتدر رقعة يبالغ في الخضوع له ويستعطفه، فطالبه بإخراج هارون بن غريب الخال، وكان صديقا لمؤنس، فقلده الثغور، وسار ليومه، فلما كان من الغد، اتفق مؤنس وأبو الهيجاء بن حمدان ونازوك على خلعه. وهرب ابن مقلة والحاجب، وهجم مؤنس وأكثر الجيش إلى دار الخلافة، وأخرج المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار مؤنس، وردّ هارون فاختفى، فأحضروا محمد بن المعتضد من الحبس وبايعوه، ولقّبوه: القاهر بالله، وقلدوا ابن مقُلة وزارته، ووقع النهب في دار الخلافة وبغداد، وأشهد المقتدر على نفسه بالخلع، وجلس القاهر من الغد، وصار نازوك حاجبه، فجاءت الجند، ودخلوا وطلبوا رزق البيعة ورزق السنة، ولم يأت يومئذ مؤنس، وعظم الصياح، ثم وثب جماعة على نازوك فقتلوه وقتلوا خادمه، ثم صاحوا يا مقتدر يا منصور، فتهارب الوزير والحجاب والقاهر صاروا إلى مؤنس ليرد المقتدر، وسُدت المسالك على القاهر وأبي الهيجاء، ثم حاسب نفسه وقال: يا أبي ثعلب أأُقتل بين الجدران؟ أين الكُمَيت؟ أين الدهماء؟ فرماه كما جور بسهم في ثديه، وآخر بسهم في نحره، ثم حز رأسه، وأحضروا المقتدر، وألقي بين يديه الرأس، ثم أسر القاهر، وأتي به إلى المقتدر، فاستدناه وقبل جبينه وقال: أنت لا ذنب لك يا أخي، وهو يقول: الله الله يا أمير المؤمنين في نفسي، فقال: والله لا نالك مني سوء، وطيف برأس نازوك، ورأس أبي الهيجاء، ثم أتى مؤنس والقضاة، وجددوا البيعة للمقتدر، فبذل للجند أموالاً عظيمة، باع في بعضها ضياعاً وأمتعة، وقلد الشرطة، محمد بن رائق، وأخاه إبراهيم.
وماتت ثمل القهرمانة، التي تجلس للناس بدار العدل، وحج بالناس منصور الديلمي، فدخلوا مكة سالمين، فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي فقتل الحجاج قتلا ذريعاً في المسجد، وفي فجاج مكة، وقتل أمير مكة ابن محارب، وقلع باب الكعبة، واقتلع الحجر الأسود، وأخذه إلى هجر، وكان معه تسعمئة نفس، فقتلوا في المسجد الحرام ألفا وسبع مئة نسمة، وصعد على باب البيت وصاح:
أنا بالله وبالله أنا ** يخلق الخلق وأقتلهم أنا

وقيل إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها، زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام، ولم يحج أحد.
قال محمود الأصبهاني: دخل قرمطي وهو سكران، فصفر لفرسه، فبال عند البيت، وقتل جماعة، ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس، فكسر منه قطعة ثم قلعه، وبقي الحجر الأسود بهجر نيفاً وعشرين سنة، وقد بسطت شأنه في التاريخ الكبير.
وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي، شيخ حنيفة بغداد، أخذ عنه أبو الحسن الكرخي. وقد ناظر مرة داود الظاهري، فقطع داود. لكنه معتزلي.
والحافظ الشهيد أبو الفضل الجارودي محمد بن الحسين بن محمد بن عمار الهروي، قتل بباب الكعبة، روى عن أحمد بن نجدة وطبقته، ومات كهلاً.
وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد حفص بن مسلم، أبو عمرو الجبري المزني، من كبار شيوخ نيسابور ورؤسائها، روى عن محمد بن رافع، والكوسج، ورحل وطوف، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها حرمي بن أبي العلاء المكي نزيل بغداد، وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي حميضة الشروطي، كاتب أبي عمرو القاضي، روى عن كتاب النسب عن الزبير بن بكار.
وفيها القاضي المعمر أبو القاسم بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي، نزيل بغداد، روى عن أبي كريب وجماعة.
قال الدارقطني: كان نبيلا، بلغ مئة وسبع عشرة سنة.
وفيها الحسن بن محمد، أبو علي الداركي محدث أصبهان، في جمادى الآخرة، روى عن محمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وطائفة.
وفيها البغوِي، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ليلة عيد الفطر ببغداد. وله مئة وثلاث سنين وشهر، وكان مُحدثاً حافظا مجوداًَ مصنفا. انتهى إليه علو الإسناد في الدنيا، فانه سمع في الصغر بعناية جده لأمه أحمد بن منيع، وعمه علي بن عبد العزيز، وحضر مجلس عاصم بن علي وروى الكثير عن علي بن الجَعد، ويحيى الحمّاني. وأبي نصر التمار، وعلي بن المديني وخلق وأول ما كتب الحديث، سنة خمس وعشرين وِمئتين. وكان ناسخا مليح الخط، نسخ الكثير لنفسه ولجده وعمه، وكان يبيع أصول نفسه.
وفيها علي بن أحمد بن سليمان بن الصيقل، أبو الحسن المصري، ولقبه علان المعَدل، روى عن محمد بن رمح وطائفة، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.
وفيها محمد بن أحمد بن زهير، أبو الحسن الطوسي، حافط مصنف سمع إسحاق الكَوسج، وعبد الله بن هاشم وطبقتهما، وما أطنُه ارتحل.
وفيها محمد بن رَيان بن حبيب، أبو بكر المصري، في جمادى الأولى، سمع زكريا بن يحيى، كاتب العمَري، ومحمد بن رمح، وعاش اثنتين وتسعين سنة.

.سنة ثماني عشرة وثلاثمئة:

توفي فيها القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري الأديب، أحد الفصحاءِ البلغاءِ، وله سبع وثمانون سنة، رَوى عن أبي كُرَيب وطبقته، وولي قضاءَ مدينة المنصور عشرين سنة، وله مصنف في نحو الكوفيين. وفيها أحمد بن محمد المغلس البزاز، أخو جعفر، ثقة، روى عن لُوَيْن، وعدة.
وفيها إسماعيل بن داود بن وَردَان المصري البزاز، رَوى عن زكريا كاتب العمَري، ومحمد بن رمح، وتوفي في شهر ربيع الآخر، عن اثنتين وتسعين سنة.
وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاّف البغدادي المقرىء، صاحب الدّوري، وكان ظريفا اديبا، نديما للمعتضد، ثم شاخ وعمي، وهو صاحب مرثية الهرّ:
يا هّر فارقتنا ولم تعدْ وفيها أبو عَروبة، الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السّلمي الحراني الحافظ، مَحدث حران، وهو في عشر المئة، روى عن إسماعيل بن موسى العّدّي وطبقته، بالجزيرة والعراق والشام ورحل الناس إليه.
وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق، صحب،سريا السقطي، وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي وأحمد بن أبي الحوري، وطبقتهما وقال: أبو أحمد الحاكم كان من عباد الله الصالحين بن محمد.
وفيها أبو بكر عبد الله بن مسلم الإسفراني الحافظ المصنف، وله ثمانون سنة. روى عن الحسن بن محمد الزعفراني. والذهلي وطبقتهما. ورحل الكثير.
وفيها محمد بن إبراهيم بن فيروز. أبو بكر الأنماطي. ببغداد، سمع أبا حفص الفلاس وطبقته. وفيها يحيى بن محمد بن صاعد، الحافظ الحجة أبو محمد البغدادي، مولى بني هاشم. في ذي القعدة، وله تسعون سنة. عني بالأثَر، وجمع وصنف، وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز. وروى عن لُوين وطبقته. قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجل من الحفظ وهو فوق أبي بكر بن أبي داود، في الفهم والحفظ.
بسم الله الرحمن الرحيم.

.سنة تسع عشرة وثلاثمئة:

فيها استولى مرداويج الدَّيلمي على همذان، وبلاء الجبل، إلى حلوان، وهزم عسكر الخليفة.
وفيها استوحش مؤنس من الوزير والمقتدر، وأخذ يتعنت على المقتدر، ويحتكم عليه في إبعاد خاصته وتقريب غيرهم، ثم خرج مغاضباً بأصحابه إلى الموصل، فاستولى الوزير على حواصله، وفرح المقتدر بالوزير، وكتب اسمه على السَّكة، وكان مؤنس في ثمانمئة، فحارب جيش الموصل، وكانوا ثلاثين ألفاً، فهزمهم وملك الموصل، في سنة عشرين، ولم يحج أحد من بغداد، وأخذ الدَّيلمي الدَّينور، ففتك بأهلها، ووصل إلى بغداد من انهزم، ورفعوا المصاحف على القصب، واستغاثوا وسبَّوا المقتدر، وغلقت الأسواق، وخافوا من هجوم القرامطة.
وفيها توفي أبو الجهم، أحمد بن الحسين بن أحمد بن طالب الدمشقي المشغرائي، خطيب مشغرا، وقع من الدّابة فمات لوقته، روى عن هشام بن عمّار وطائفة.
وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي، محدّث دمشق، في رجب، روى عن موسى بن عامر المرّي، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما.
وفيها قاضي الجماعة، أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي أبو الجعد، في رجب، وهو من أبناء التسعين، وكان نبيلاً رئيساً كبير الشأن، رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى، والمزني، وصحب بقيّ بن مخلد مدَّة أضرَّ بأخرة وضعف من الكبر.
وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد، روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق، ومسدد والكبار.
قال ابن عدي: كان يضع الحديث.
وفيها الكعبي، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي.
وفيها القاضي أبو عبيد بن حربويه البغدادي، علي بن الحسن بن حربويه الفقيه الشافعي، قاضي مصر، وهو من أصحاب الوجوه، روى عن أحمد بن المقدام والزَّعفراني وطبقتهما.
قال أبو سعيد بن يونس: كان شيئاً عجيباً، ما رأينا مثله، لا قبله ولا بعده، وكان يتفقه على مذهب أبي ثور، وصرف سنة إحدى عشرة، لأنه كتب إلى بغداد يستعفي، وامتنع من الحكم فأعفي، ثم توجه إلى بغداد.
وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير، يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس، صحب أحمد بن خضرويه البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ.
وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس ابن واصل الغافقي الإلبيري الفقيه الحافظ، روى عن محمد بن أحمد العنبي وأبان بن عيسى، ورحل وسمع من أحمد بن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم. وصنّف وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ.
قال ابن الفرضي: كان ضابطاً نبيلاً صدوقاً، وكانت الرحلة إليه، حدّثنا عنه غير واحد، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.
والمؤمَّل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، الرئيس أبو الوفا النيسابوري، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وسمع من إسحاق الكوسج، والحسن بن محمد الزَّعفراني وطبقتهما. وكان صدر نيسابور وكان أمير خراسان ابن طاهر، اقترض منه ألف ألف درهم. وقال أبو علي النيسابوري، خرّجت لأبي الوفا، عشرة أجزاءٍ، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إليّ مائة دينار وأثواباً.